يستغرب بعض أصحاب الأعمال، والعاملين في القطاع الخاص، من وجود كفاءات كويتية عاملة في القطاع الحكومي، ويتساءلون عن أعداد هؤلاء، وهل هم في مناصب اشرافية أو موظفين، وذلك خلال حوار دار بيني وبين الكثيرين منهم، في الحقيقة أنا من تستغرب هكذا تساؤل، لأنني محاطة بالعديد من المبدعين والمنجزين، ومن خيرة الشباب الكويتي، لكن الصورة النمطية السلبية قد طغت، وسادت على سمعته.
والمقصود بالصورة النمطية هي الحكم الصادر “الذي غالبا يكون حكما سلبيا” مسبقا حول مجموعة كاملة من الناس، من دون اعتبار للفروق الفردية، وهذا ما يواجه الموظف الكويتي في القطاع الحكومي، الذي يتصف دائما بعدم الالتزام بالعمل، وأنه عديم المنفعة وغير منجز، لم تكن اجابتي عن التساؤل تدل على الكمية، بل تساءلت بدوري عما إذا كان هناك موظفون كويتيون يعملون في مؤسساتهم؟ وهل هم ذوو كفاءة أم لا، وهل المسؤولون عن حساباتهم البنكية كويتيون أم لا؟ وهل هم مطلعون على رواد الأعمال، وأصحاب المشاريع الصغيرة المتميزة، التي أصبح العديد منها مشاريع تنافس دولية؟ كذلك أصحاب الاختراعات والابتكارات، والشهادات العليا التي تبنت بعضهم دول أخرى، كويتيين أم لا؟
إن المواطن الكويتي موظف منجز، لكنه، وكما نقول في العامية “مقرود” لأنه كُتب له أن يكون في بيئة عمل طاردة، غير محفزة، فنظام الترقيات ثابت لم يتغير، ولم يواكب التطور، ويعتمد على سنوات الخبرة من جهة، وكذلك المحسوبية من جهة أخرى، ونظام التقييم السنوي ما هو إلا إجراء روتيني يُجامل فيه ديوان الخدمة المدنية، كذلك، هذا، بالإضافة إلى البطالة المقنعة، وزيادة عدد الموظفين الذي يؤدي إلى التكدس في مكان العمل، من دون توفير أماكن لهم، ولا أدوات الوظيفة.
والمصيبة الأكبر عدم وجود وصف وظيفي لأي وظيفة في القطاع الحكومي، وتتم التعيينات على “البركة”، وما يحصل في الواقع “يفتر” المرشح للوظيفة على الإدارات، والاستفسار عن إمكانية تعيينه، من دون وجود خطة واضحة وصريحة للشواغر والاحتياجات، وإن وجدت هذه الخطة يكون من الصعب تطبيقها نظرا الى زيادة التعيينات من جهة، ورفع سن التقاعد من جهة أخرى، الأمر الذي يسبب تكدس في المؤسسة، وبالتالي فالموظف الكويتي في القطاع الحكومي هو آخر عنصر مسبب لانخفاض الإنتاجية، وبريء من تهمة التقاعس كبراءة الذئب من دم يعقوب.
فلو يتم تطبيق سياسة العمل المعمول بها في القطاع الخاص على القطاع الحكومي لوجدت المنافسة، وربما لا يوجد وجه للمقارنة، فالموظف في القطاع الخاص يدرك تماما حقوقه وواجباته، قبل توقيع العقد، كذلك يعرف حق المعرفة مهماته الوظيفية، وسلم الترقية، وكيفية رفع المستوى الوظيفي والمميزات، وما هي العقوبات في حال ارتكب خطأ ما.
هذا لا يعني ان القطاع الخاص هو الملاذ الآمن لأنه يفتقر الى الأمان الوظيفي، والذي هو الميزة الإيجابية، وقد تكون الوحيدة في القطاع العام، إن القطاع الحكومي يزخر بالكفاءات الوطنية التي تعمل بإخلاص، ولديها التزام وولاء وظيفي، رغم جميع القيود المفروضة عليه، ورغم جمود بيئة العمل، لكن ومع تدخلات أقطاب مختلفة في منهجية وسير العمل، ونظرا الى وجود التفرقة بين مؤسسات القطاع الحكومي نفسه، بات من الواضح نزيف الكفاءات، وهجرتها نفسيا، إن لم تكن جسديا.
“أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي”، لذلك وبدلا من اتهامهم بالاهمال، فقد آن الأوان للالتفات لهذه الكفاءات والكوادر، وتقويم القطاع الحكومي، وإلا سيأتي اليوم الذي “سيتقاعس” فيه، وكما قال الله تعالى في كتابه العزيز: “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”، والوجه من الوجه أبيض!
نشر في جريدة السياسة - ٥ ديسمبر ٢٠٢٣
Comments