تناول معظم الكُتّاب والمفكرين والعلماء موضوع النقد وأبدوا فيه آراءَهم، واستذكر مقولة الفيلسوف والكاتب المصري الدكتور مصطفى محمود عندما قال “هناك فرق بين النقد والحقد، وبين النصيحة والفضيحة، وبين التوجيه والوصاية، حياة الناس لم تدون باسمك؛ لتخبرهم كيف يعيشون”، مشيراً إلى أن النقد مباح، لكن ليس بدافع الحقد والحسد، والنصيحة ضرورة، لكن ليست بالعلن، والتوجيه لا يعني التملك، ولكل مقام مقال. وتم تعريف الناقد على أنه شخص خبير في مجال معين بحيث يمكنه تقييم أي عمل في مجاله، بمعنى آخر هو الشخص الذي يميل إلى إصدار حكم منطقي على شيء ما، ومن صفاته لا بد أن يكون خبيراً في المقارنة والتحليل، واسع الاطلاع، آراءه غير شخصية، غير عاطفي، إيجابي، موضوعي. يعتبر النقد جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية، وفي سياق العمل، يؤدي الموظف الناقد “الموضوعي” دوراً حيوياً في تحسين الأداء وتعزيز الابتكار، فمن المزايا الرئيسة له قدرته على رؤية الخلل في المواضيع، وخلق الفرص في المشكلات، واستخدام قواه الذهنية لاكتشاف فرص التحسين والتطوير، كما إن قدرته على تقديم النقد بشكل بناء وفعّال تعد مهارة ضرورية للمساهمة في نجاح المؤسسة وتحسين أداء العاملين فيها، وكما قالت الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي: “الإنسان الذي يرفض النقد، لن يستطيع قط الترقي، والسعي نحو الأكمل”. إلا أنه تعتبر مهارات التواصل أمرًا ضروريا بالنسبة للموظف الناقد، ولابد أن يكون قادرًا على التعبير عن آرائه بوضوح، وبطريقة تعزز التفاهم وتخلق التناغم بين أعضاء الفريق. كما يجب أن يكون قادرًا على استيعاب الآراء الأخرى، والتعامل معها بكل موضوعية، كما أنه لا بد أن تكون لديه القدرة على تحمل الضغوط والتعامل بفعالية مع ردود الفعل غير الإيجابية، فمن الممكن أن يواجه الموظفون النقاد مقاومة من بعض الأفراد الذين قد يأخذون النقد بشكل شخصي. لكن، وكما نقول “إذا زاد الشيء عن حده انقلب ضده”، من جانب؛ إذا تقمص الناقد دور القاضي، وبدأ بإصدار الأحكام غير القابلة للنقاش، وإذا تسرع في النقد دون أخذ الوقت الكافي في التفكير، وإذا ركز على الجوانب السلبية دون النظر إلى الجوانب الإيجابية، وإذا لم يتقبل النقد من الآخرين، سيصبح هذا الموظف هو عنصر الانتقاد بالمؤسسة. من جانب آخر، أحيانا، يسعى هؤلاء الموظفون النقاد إلى الكمال، فيتحول النقد للقسوة على أنفسهم، وعلى زملائهم في المؤسسة، ويبذلون قصارى جهدهم للوصول لأعلى المستويات، ما يجعلهم عرضة للانهيار عند أول مشكلة، لذلك، يعتبر الموظف الناقد نوعا مهما وخطرا في الوقت ذاته، ويعتبر دور المسؤول هنا بمراقبة سلوك الموظف الناقد أمرا ضروريا، وتوجيهه وتقويم سلوكه حتى لا يتحول من الدور الإيجابي للدور السلبي. إذن، وجود هذا الموظف مهم في المؤسسة، وعليه أن يتسم باللين والحكمة، وأن يتذكر شعرة معاوية، فعندما سئل معاوية بن أبي سفيان: كيف حكمت الشام أربعين سنة رغم القلاقل والأحداث السياسية المضطربة؟ قال: “لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت”، قيل: وكيف؟ قال: “لأنهم إن مدوها خلّيتها، وإن خلوا مددتها”.
جريدة السياسة - ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٣
Kommentare