تعد عملية صنع القرار واحدة من أهم العناصر في نجاح واستدامة أي مؤسسة، لانها تمثل النقطة الحاسمة التي تحدد المسار، وتوجيه الموارد نحو تحسين الاداء، وزيادة الكفاءة، وتحقيق الأهداف المنشودة، كما تساعد إستراتيجيات اتخاذ القرار في التعامل مع المخاطر المحتملة، لذلك تستدعي هذه العملية ضرورة اتباع إستراتيجيات دقيقة، وتفكيرًا شاملاً لضمان اتخاذ القرارات الصحيحة، في الوقت المناسب، ولتسهيل صنع القرار نظريا، تم تقسيم المشكلات بعامة الى معتادة روتينية متكررة، سبق وتمت مواجهتها، وإيجاد الحل المناسب لها، واخرى جديدة لم يتم التعرض لها مسبقا، كلا النوعين يمر بالخطوات والإستراتيجيات نفسها لتبسيط المشكلة، وللحصول على قرار صحيح.
ومن أهم الخطوات تحديد ومعرفة ما هي المشكلة، وجمع البيانات عنها، ومن ثم تحديد الخصائص التي يعتمد عليها اتخاذ القرار، ووزن هذه الخصائص وتحديد أولوياتها، وإيجاد بدائل للحل، وتقييم البدائل والاختيار الأفضل بينها، وفق الأولويات التي تم تحديدها مسبقا، وادخال القرار حيز التنفيذ ومتابعته، وتقييم نتائجه لاحقا، وهنا إما يتم اعتماده كحل فعال أو اختيار البديل المناسب، أما واقعيا، تختلف الأسباب المؤدية الى صنع القرار نظرا لظروف عدة، منها عامل الوقت الذي يمنع المسؤول من تتبع المراحل سالفة البيان، فإما يكون قراره مبني على المعيار الأنسب له، وقد يختلف هذا المعيار من شخص الى آخر نتيجة الخبرة مثلا، وقد يكون بالقياس مع حادثة قد تكون مشابهة تتفق مع ظروف المشكلة لحد كبير.
وبكل الأحوال قد تتعرض هذه القرارات للأخطاء البشرية، فقد يكون القرار نتيجة التحيز المعلوماتي الشائع، وهو الميل لاعتماد رأي شخصي نتيجة معلومة شائعة، ومؤكدة لدى صاحب القرار من دون مراعاة وجهات النظر الأخرى، مثال على ذلك عادة مكتسبة لدى معظم الشعوب العربية، وهي عدم جواز شرب اللبن مع أكل السمك، فيما لا يوجد بحث علمي يؤكد ذلك، لكن جرت العادة على اتباع هذا العرف، فيتم اخيار قرار عدم الجمع بين السمك واللبن!
والخطأ الآخر هو التحيز التأكيدي، وهو الميل إلى البحث عن معلومة تغذي رأي المسؤول، والتمسك بها، حتى لو كانت غير مؤكدة، فيلغي ما يتعارض معها، ومثال على ذلك تمسك المدخنين بدراسة ما تثبت أن التدخين لا يضر بالصحة، فلا يكتفي حينها بالتدخين، بل يروج له!
والعديد من الهفوات التي قد يقع فيها متخذي وصناع القرار، كالتحيز للتفكير الذاتي، والاعتقاد أن الجميع لديهم التفكير والميول نفسهما، وكذلك الاعتماد على الذاكرة، والتي قد تخون المسؤول في إمكانية استدعاء جميع المعلومات ذات الصلة بالموضوع.
لذلك، وكما تبين ان عملية صنع القرار صعبة مرتبطة بجوانب عدة، منها النفسية والاجتماعية، وبيئة العمل وغيرها من الجوانب التي من شأنها تؤثر على متخذي القرار، مباشرة أو غير مباشرة.
وعندما نتحدث عن واقع الحال في المؤسسات الحكومية نجد ان هناك عوامل أخرى تكاد تكون لم تدرج في دراسات سابقة، حيث تواجه المؤسسات تحديات بيروقراطية تعيق عملية اتخاذ القرارات السريعة الضرورية، وغالبًا ما يكون هناك تعقيد في الإجراءات والأنظمة، مما يؤدي إلى بطء في التنفيذ.
كذلك التحديات المالية نتيجة لتقلبات أسعار النفط والتبعات الاقتصادية العالمية، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على قدرة الحكومة على تمويل مشاريع وبرامج جديدة، فيتطلب اتخاذ قرارات ذكية واقتصادية، بالإضافة إلي تدخلات أصحاب النفوذ في صنع القرار، وهذه الأخيرة تعارض المذهب النفعي، وهو النظرية الأخلاقية التي تنص على ان اتخاذ القرار يجب أن يكون لما هو في مصلحة المجتمع، ولا يمكننا تجاهل الدور الذي تؤديه منصات التواصل الاجتماعي في التأثير على متخذي القرار، سواء محليا، أو على مستوى العالم.
ختاما، يعتبر اتخاذ القرار في المؤسسات عملية معقدة تتطلب تفكيرًا عميقًا وتحليلًا دقيقًا، من خلال تبني ستراتيجيات فعالة واعتماد على البيانات والتحليل، كي تتمكن المؤسسات من تحقيق النجاح والاستمرارية.
Comments